أسماء النعيمي
أصبحنا في زمن كل شيء فيه قابل للصنع حتى الأحاسيس بإمكانك تحديثها وتلوينها كما شئت
مثلها مثل أي منتج استهلاكي يأتي وقت وتنتهي مدة صلاحيته.
ففي ظل ما يجري بالعالم صرنا جميعا نرى حقيقة من كنا نظنهم أناس صادقين في أقوالهم وأفعالهم ورأينا كيف يستطيع غالبيتنا أن يتقمص الأدوار بكل ثقة وفنية ليتغلب على أفضل ممثلي المسارح العالمية كل هذا دون أية حاجة لدراسة المجال الذي يمنحه ضوابط لعب الأدوار حيث نجد من يتصنع الإنسانية بكل ندالة ، في حين أنك تجده في الخفاء أكثر الأشخاص حقارة وأخبث إنسان في سلب وانتهاك الحقوق ،حيث نشاهده مساءا يقر بأنه من داعمي الديمقراطية ويدافع بكل ما يمتلك عن حقوق الإنسان وعند حلول الظلام نسمع عنه وقد وقع على عقود تسمح بانتهاك حرمات الاخرين ويدين المظلومين أصحاب الحق ويبجل الظالم ويشد على يديه بكل وقاحة أمام مرأى العالم أجمع ، لينطلق ببداية نهاره إلى حياته اليومية ليعيش تفاصيلها بكل فخر وكأن شيئًا لم يكن.
ناهيك عن النماذج المتواجدة بيننا والتي تتصنع الود كي تحقق مصالحها الشخصية، ومن تتصنع الرفاهية رغبة في جذب أكبر عدد من المعجبين ، وفي المقابل هناك النماذج التي تتصنع الفقر برغم تيسير أحوالها كي تستعطف الناس وتصرف العيون عن رزقها.
ومن تتقمص الفرح كي لا يرى الآخر انكسارها بالرغم من تلك الفوضى الهائجة التي تكابدها وتحاول جاهدة كتمها بداخلها فتجدها ترغم محياها ليرتسم بابتسامة مزيفة كي يختفي حجم الدمار الذي تعانيه ، أحيانًا حتى لا تصبح فريسة سهلة على ألسن من حولها، وأحيانا رغبة للتخلص من نظرات الشفقة التي تصلها منهم …
وتجد منا أيضًا من يتصنع الحزن ،الحزن الذي لطالما كان معروفا بأنه يترك أثر الشحوب على وجه من يتألم رغمًا عنه ،ومعروفا بكونه من المشاعر السيئة التي لا أحد يرغب بها.
لكن! الآن أصبح من السهل جدًا ارتدائه حتى لو كان بداخل أحدنا بحر من الضحكات إلا انه يستبدلها بتعابير محزنة ربما ليؤثر أو ليجلب اهتمام من حوله ولربما خشية على سعادته من حسد البعض…..
والأخطر من كل ذلك هو الذي يتصنع الأخلاق وهو فاقد لها،يبدع في تمثيل دور الملاك الطاهر وهو يحمل داخله ضغينة تجاه الجميع ليس لشيء سوى لتحقيق التعالي عليهم، بينما نجد أيضا من المتصنع للقوة والسيطرة والسلطوية في حين أن داخله هش لدرجة لو تركت قطا تحت مسؤوليته لن يستطيع السيطرة عليه.
وأكثرنا غباءا من أصبح يتصنع المرض كي يلفت الانتباه نحوه لأجل استعطاف الآخرين، وكأن الأمراض المتراكمة بمجتمعاتنا لا تكفي …
ناهيك عن صور أخرى من التصنع التي تعد أشد كارثية كونها تطغى على تفاصيل حياتنا وكأنها أمر عادي يجب تقبله والتعايش معه ، ومن لا يجيد من بيننا ذلك تجده تائها وكأنه دخيل على هذا العالم لا يعرف كيف يعيش برفقة أولئك البارعون ، حيث تلاحظه بأنه غير قادر للسير على منهجهم ولا هو قادر على مجابهتهم فيدفعه ذلك للابتعاد عن كل الأشخاص الذين يراوده الشك بأنهم غير واضحين ، مذبذبين في أحاديثهم ، كاذبة أعينهم ، حتى حركات جسدهم الغير متزنة تجعل يأخذ حذره منهم.
فهل التصنع صار موضة العصر أم أننا فقط صرنا منافقين بدرجة الاحتراف كي نفرض وجودنا لنستمتع بتفاصيل الحياة، أم هو مجرد تقليد ترسخ بسلوكياتنا حتى وصلنا لتطبيقه بكل أرياحية ، الأرياحية التي جعلت منا متصنعين بارعين بإمكاننا التفوق على كل من ترشح لجائزة الأوسكار العالمية .
حيث أصبحنا نجامل بطريقة مرعبة ، ونمثل جل الأدوار بمهنية عالية ، ونتصنع بشكل مبالغ فيه، فقط ليرانا الآخر كما نريد أن نبدو له ، ولا يهم كيف نرى نحن أنفسنا ….