إبراهيم مراكشي
إن اعتماد شرط 30 سنة كحد أقصى لاجتياز مباراة التعليم أسال الكثير من المداد في ظرف وجيز، في وفت لم يتم التركيز كثيرا على معايير الميزة والمعدل خلال عملية الانتقاء الأولي لملفات الترشيح، وهي معايير مهزوزة تفتقر إلى المصداقية بالنظر للوضعية التي تعرفها الجامعات بالمغرب، وتؤدي إلى استبعاد واقصاء شريحة واسعة من المترشحين الذين لا يتوفرون على الميزة. على الوزير، السيد شكيب بنموسى، أن يعلم، وهو سيد العارفين بخبايا التعليم الجامعي بالمغرب، الذي وجه له انتقادات لاذعة في تقرير النموذج التنموي الجديد، الذي ترأس لجنتها، وبصفته وزيرا سابقا في الداخلية، إذ كان يتوصل بتقارير يومية عن الوضعية العامة في الجامعات، وتقارير عن أساتذة بعينهم، كان على الوزير المحترم أن يعلم أن الميزة والمعدل العام لا يعكسان بالضرورة المستوى الحقيقي للمترشح، إذ تعمد بعض الكليات إلى تضخيم نفاط طلبتها بشكل مبالغ فيه، إذ تجد طلبة حصلوا على الإجازة أو الماستر بمعدل 19/20.
في وقت نجد بعض الكليات متشددة في ذلك، نتيجة تشدد بعض الأساتذة في التنقيط، وكأن الأمر يتعلق بتقطير ماء الورد! فغياب معايير موحدة للتنقيط بين الكليات أدى إلى هذه التفاوتات. لذلك فالطالب الذي حصل على ميزة أو معدل عام مرتفع، لا يعني أنه متفوق وألمعي في مجاله، والعكس صحيح. فالطالب الذي لم يوفق في الحصول على ميزة لا يعني بالضرورة أن مستواه ضعيف. الوزير المحترم، هو سيد العارفين أن الحصول على الميزة بالجامعات المغربية لها طرق ومسالك أخرى، بشكل يوازي طريق الجدارة والاستحقاق والكفاءة. وفي هذا الإطار نجد صنفين من الطلبة: صنف حصل على الميزة بكده وعرق جبينه، أي عن جدارة واستحقاق؛ وصنف آخر توج سنته الجامعية بالميزة بجيبه أو من جيوب والديه، أَو عبر طرق أخرى غير أخلاقية. هنا لا نعمم، فجامعاتنا تزخر بالكثير من الشرفاء، لكن هذا لم يمنع من كون ظاهرة بيع النقاط مقابل المال و/أو الجنس آخذة في التفشي، بل ونجد بعض الأساتذة، وهم قلة، يقومون بذلك بوجوه مكشوفة. ما العمل أمام أقلية تسيء إلى الأغلبية، وتلوث سمعتها؟ وكما يقال المثل المغربي الدارج: “حوتا وحدا كتخنز الشواري”. إن الطالب الفقير تجده يقضي خمس سنوات أو ستة سنوات من أجل حصوله على الاجازة، لا لشيء سوى إن لا ظهر له يحميه أو لا مال عنده، أو لأن مستواه جد ضعيف، وهو ضعف تراكمي يمتد لسنوات، يعجز الأستاذ الجامعي على استدراكه نتيجة ضعف موارد اشتغاله.
لكل ما سبق، ففي اعتقادي أن على معالي الوزير عوض أن يعمل على تطبيق هذه المعايير الجديدة في التوظيفات الخاصة بقطاع التعليم العمومي، كان من الأجدر به أن يقوم، رفقة وزير التعليم العالي، بتطهير جميع المؤسسات التعليمية بمختلف مراحلها ومستوياتها، وليس فقط الجامعات، والتي تزخر بالعديد من الكفاءات الغيورة على هذا القطاع، نقول تطهيرها من هذه الشوائب، لأن الطالب الذي يصل إلى الجامعة ويتقبل هذا الابتزاز، ويرضخ له، جرى تشكيله وصناعة شخصيته خلال المرحلة الابتدائية والاعدادية. في الواقع، لم تعد جامعاتنا تتوفر على طلبة، بل على التلاميذ، قلة منهم يتحرر من الخوف من السلطة، حينما يستوعب مضامينها ويتعرف على آليات اشتغالها، وهذه من الأسباب التي تدفع الدولة إلى التخلص من القانون العام، بجعله “لايت”، من خلال إلغاء جملة من المواد الدراسية المهمة واستبدالها بمواد تساعد على “الانفتاح”، وهذه مسألة أخرى، تناقش في سياق آخر.
الخلاصة، هي أن المعايير التي اعتمدها معالي الوزير وأقرها تناسب مجتمع آخر، لا المجتمع المغربي، مجتمع آخر فيه تعليم عمومي موحد متطور، يقوم على تكافؤ الفرص، ويشجع على تطوير الكفاءات وليس فقط على الحفظ والاستظهار، وعلى جامعة قوية ونظيفة تشجع على إبراز المواهب وعلى البحث العلمي، والنجاح في مدرجاتها مبني فقط على الجدارة والاستحقاق، وليس جامعة تتحول أسوارها إلى سجن تخنق الطالب وتصيبه بالاكتئاب… جامعاتنا حبلى بالكفاءات، ما تحتاجه هو إصلاح حقيقي يساعد على تفجير هذه الطاقات.