أسماء النعيمي
الفرق بين الإنسان والحيوان بالعقل والنطق ، العقل أمر بديهي ، فلنأتي للاختلاف الثاني حيث أن الإنسان لا يصبح قادرا على التواصل مع غيره سوى بالكلام ، فإذا كان بإمكان أي إنسان من أي عرق كان على هذا الكوكب قادرا على النطق بكلمة حق لأجل رفع الظلم عن أخيه الإنسان ولم يفعل فماذا يمكننا أن نسميه ؟
لك أن تتوقع الجواب، ولننتبه جميعا فجهنم قد أصبحت مزدحمة أكثر مما يلزم ، يعني أن من كانت لديه النية للنزول أكثر ، صار مجبرا الآن أن يتشبث بسلم الصعود من جديد ، فحتى مجموعة القمة العربية لم يعد لها مكان ،فلكم أن تتخيلوا الوضع الذي وصلنا إليه كعرب ، وكي نتفادى خطورة الانزلاق نحو القعر علينا كل من موقعه أن يتحدث عن ما يجري ويرفع صوته لدعم قضية محقة لها تاريخ.
لكن ! سيقول بعضنا ما الذي سنتحدث به ؟
هل سنتحدث عن الصراعات العربية الصعبة والمعقدة والمملة كونها طالت أكثر مما يجب وتحدثنا عنها من مئة سنة؟
فهذه الحجة بالذات هي “الأمريكان دريم ” الحلم الأمريكي الذي لطالما قام بتحفيظ العالم كلمات ( ديمقراطية ،حرية،حقوق إنسان ، مساواة …) ليلجم ألسنة كل من سولت له نفسه بالسير خارج حدود استراتيجيته ، فلا شك من الملهم هذا الفساد الحضاري الذي أنتج في غضون شهر اثنا عشر ألف شهيد جلهم من الأطفال والنساء، فقد حبلونا شعارات لنلتهي بها حتى أجهضنا كذبا.
لذلك لنعود لحلمنا العربي فهو أشرف بكثير من ذلك ، الحلم العربي الذي عُرض كأوبريت عام الألفين أثناء انتفاضة الأقصى الثانية ، حيث حملت هذه الأوبريت شعارات مثل “اتحاد الدول العربية ” ربما لأجل هذا تمت تسميته بالحلم العربي لأن اتحادهم للآن ظل حلما.
جاءت هذه الأوبريت في تلك الفترة التي كان يلعب الفن دورا مهما لتمرير الرسائل والتأثير بالمجتمعات ، وقبل الحلم العربي كتب شاعر ليبي عام 1987 كلمات لأغنية ‘وين الملايين’ والتي أدتها اللبنانية جوليا بطرس ورفيقاتها أمًا عرفة من سوريا وسوسن الحمامي من تونس هؤلاء اللواتي مثلن حينها هوية المواطن العربي الذي ينبض قلبه بالقضية ، حيث كانت تلك الأغنية تحية لكل الفلسطينيين الأحرار وداعما قويا في وجه العدو الصهيوني ، ولشدة تأثير كلماتها دخلت حتى أروقة زعماء العرب ، حينها كانت شعلة الغناء التحريضي تنتشر بشكل كبير ،التحريض الإيجابي ، حيث صار الجميع يردد (وين الملايين ، الشعب العربي وين، الغضب العربي وين ، الدم العربي وين ، الشرف العربي وين؟؟؟؟)
فحيث شكل مطلع هذه الأغنية الوطنية شعارا لكل الأحرار ، حيث طُرحت به خمسة أسئلة وجودية ،ومع أننا شرفنا على الأبدية لكننا لم نعثر على الإجابة بعد ، فالملايين وضعت بالجيوب ، والشعب غالبيته استشهد ، والغضب ازدادت حدته ،والدم تم سقي زيتون الأرض به ، أما الشرف حسب الإعتقاد أنه تم التحدث عنه قائلا في القمة العربية الأخيرة مروا عليه مرور الكرام لتزيين وتلميع صورتهم.
فللأسف قد أصبحنا في زمن جد سطحي وأكثر من هذه السطحية لم يعد الأمر يحتمل.
لأجل هذا ندرك أن للفن دور أيضا في إيصال الصوت ، كونه يستطيع طرح أسئلة تستهدف المعنيين ويرسخ أفكارًا في العقول المتحجرة ويقدم الدعم المعنوي أيضا ،ففيروز وعبدالحليم وغيرهم لطالما غنوا للأوطان وللشعوب وحتى أم كلثوم سبق وحملت بندقية للدفاع عن الأرض.
لكن ! مثل ما وجدنا أن الفن يؤثر بالمجتمع ويحدث الفارق (حينها أثر ) ، الآن نجد بأن المجتمع يؤثر بالفن ، فالفنانيين الذين دعموا القضية بكل الطرق المتاحة لهم ، أحرار يدعوا أحرار أما من ذهبوا خفية للغناء في أصعب الظروف وكأن شيئًا لم يكن وكأن الوضع طبيعي جدا لأجل شخص ما ،لدولة ما، لأنظمة ما أو لمهرجان ما بغية تنفيذ طلب من يملأ حساباتهم البنكية فنحن مجبرون على أن تقتسم لهم “فلسطين” إلى قسمين ونقول لهم أن ثمنكم ‘فلس’ وكرامتكم ‘تحت الطين ‘.
فالفن الذي نفختم به رؤوسنا والذي منحكم ملايين المعجبين إن لم تستخدموه في إيصال صوت المظلومين فلا عزاء لكم لأنه بعد الآن مهما قدمتم لن تستطيعوا إطراب عشاقكم.
أما قضية الأحرار لا تتشرف بكم ويكفيها أولئك الذين ضحوا لأجلها بالدم والمنصب والصحة والمال ، هؤلاء هم من يستحقون شرف الدفاع عنها …