يوسف الزوجال
محامي بهيئة المحامين بطنجة
دكتور في الحقوق
بعدما قضت المحكمة الابتدائية بطنجة بتاريخ 20/11/2023، بعدم قبول الدعوى الاستعجالية بالطرد التي تقدمت بها شركة عقارية خاصة في مواجهة بعض الساكنة بحي بنكيران المعروفة بـ”حومة الشوك” بطنجة، يبدو أن سلطات مدينة البوغاز تعيش على صفيح ساخن.
فالقضاء الاستعجالي في النازلة لم يحسم النزاع بصفة قطعية ونهائية، وإنما اكتفى بالحكم بانعدام صفة الشركة للتقاضي ، وتم الحكم بعدم القبول، لا سيما على إثر عدم إثبات الشركة الشروط الشكلية العادية المتطابقة قانونا في التقاضي.
وكان العشرات من ساكنة حي بنكيران (حومة الشوك) قد توصلوا باستدعاءات لحضور جلسة المحاكمة بالمحكمة الابتدائية بطنجة، وذلك على خلفية ملكيتها للأرض، وقد بنت ادعائها على شهادة صادرة عن المحافظة العقارية، متمسكة بأحقيتها لافراغ مساكنهم التي يقطنون بها منذ عقود من الزمن، وذلك بعدما ظهرت الشركة المدعية تطالب بأرض حومة الشوك، ومساحتها 14 هكتارا.
وتستند الشركة المدعية في مطالبها على الآثار المترتبة عن تأسيس الرسم العقاري التي يقوم عليها نظام التحفيظ العقاري، لعل أهمها مبدأ التطهير الذي يقصد به جعل هذا العقار في منأى عن اي اعتداء او استيلاء او حيازة من طرف الغير كما انه لا يمكن لاي شخص مهما طالت مدة حيازته او احتلاله لهذا العقار ان يتملكه باي وجه من الاوجه لان القاعدة الذهبية تقول بان التقادم لا يكسب اي حق عيني لاي شخص مهما طالت مدة حيازته لهذا الحق العيني اذا تعلق الامر بعقار محفظ.
وهذا المبدأ مؤطر بموجب الفصول 62 و63 و64 من قانون التحفيظ العقاري المعدل والمغير بقانون 14.07 سنة 2011. وبالتالي، فتأسيس الرسم العقاري بناء على قرار السيد المحافظ العقاري يطهر هذا العقار من جميع التحملات والحقوق التي كانت ترد عليه والتي تأخر اصحابها في تقديم تعرضات اثناء مسطرة تحفيظ هذا العقار. وعليه، فمبدا التطهير يجعل ماضي العقار كان لم يكن ولا يُعترف لاي شخص باي حق على هذا العقار اذا تم تحفيظ هذا العقار واسس له رسم عقاري.
ومع ذلك، اذا كان مبدا التطهير يجعل صاحب الرسم العقاري في اي مناى عن دعوى عينية للمطالبة بحق عيني على العقار الذي تم تحفيظه؛ فان هذا لا يمنع صاحب حق وقع الاضرار به الى المطالبة بحقه الشخصي (التعويض) تجاه المستفيد من مبدا التطهير (الفصل 64).
وهذا ما يتيح كما هو الشأن في نازلة الحال بالنسبة لساكنة حي بنكيران بطنجة إمكانية رفع دعوى التعويض عما لحقهم من ضرر في حالة الحكم ضدهم بالإفراغ أو الطرد.
وتجدر الاشارة الى ان تحفيظ العقار و تاسيس الرسم العقاري يجعل هذا العقار في مناى عن اي اعتداء او حيازة ويعرض صاحبه للمتابعة الجنائية في حالة ثبوت ذلك.
ولا شك أن سلطات طنجة في موقف حرج لا تحسد عليه، لكونها بين مطرقة حماية الملكية العقارية الخاصة وتجسيد فكرة تشجيع الاستثمار التي ما فتئت ترفعه وتزكيه في مختلف برامجها التنموية على أرض الواقع، وبين سندان ضمان السلم الاجتماعي وطمأنة الرأي العام المحلي والوطني وكذا المتتبعين.
وهكذا، لا يعقل أن يتم التخلي عن السكان، في ظل الشعارات التي تنادي بالحقوق والحريات الأساسية لاسيما الدستورية، إذ أن السلطات المحلية سبق لها أن سلمت لساكنة الحي المذكور شواهد إدارية، منذ عقود طويلة، خولت لهم الربط بشبكتي الماء والكهرباء، وهذا اعتراف رسمي وإداري بتواجد عدد كبير من العائلات والأسر على الأرض موضوع النزاع.
وأنه من الواجب على الهيئات المسؤولة بمختلف القطاعات إيجاد الصيغ المناسبة والملائمة لطي الملف والوصول إلى حل جذري لهذه المعضلة في وقت قريب بكل حكمة وتبصر وتعقل، الشيء الذي يستدعي البحث عن حلول واقعية مرضية لجميع الأطراف لهذا النزاع، ذو طبيعة عقارية، وفق مقاربة تضع في المرتبة الأولى الحفاظ على مصالح ساكنة المنطقة، وضمان استقرارهم وتواجدهم بالعقار المذكور من جهة، وحماية حقوق أصحاب الأرض من جهة أخرى.